كاتب المقال : اسامة البحري
يعتبر الإعتقال الإحتياطي من أهم المواضيع المطروحة للنقاش ، نظرا لغموض هذا الموضوع لدى العامة من الناس وحضور سوء الفهم لديهم فيه ؛ حيث لا يفرقون مثلا ما بين الإعتقال الإحتياطي والعقوبة ....
ومن هذا المنطلق حبذنا تبسيط هذا الموضوع وتوضيحه قدر المستطاع وبالتالي سنعمل على دراسة هذا الموضوع عبر النقاط التالية :
-مناقشة مفهوم الإعتقال الإحتياطي
-مدته
-نسبة المعتقلين الإحتياطيين في المغرب ومقارنتها مع بعض الدول الغربية والعربية
-التطرق إلى أسبابه
-إعطاء بعض الأمور أو الإجراءات التي يمكن من خلالها الحد من ظاهرة الإعتقال الإحتياطي
1 : مفهوم الإعتقال الإحتياطي
نلاحظ أن المشرع المغربي لم يعرف الإعتقال الإحتياطي ، وإنما أفرد عبارته في بعض الفصول والمواد ( مثلا في المادة 159من ق. م . ج ) .
وبالتالي فإن المشرع من خلال هذه المادة إعتبر أن الإعتقال الإحتياطي مجرد تدبير استثنائي ؛ أي لا يمكن اللجوء إليه إلا في حالة الضرورة القصوى المتمثلة إما في :
-ضرورة التحقيق مع المتهم - أو الحفاظ على النظام العام
-أو الحفاظ على أمن وسلامة الشخص المعتقل .
إذن أكد المشرع على استثنائية الإعتقال الإحتياطي
وعلى هذا فإن هذا الإستثناء يظهر من خلال العديد من النقاط منها :
*أن نطاق الإعتقال الإحتياطي محدد في الجنايات والجنح المعاقب عليها بعقوبات سالبة للحرية
*أن المعتقلين الإحتياطيين أفرد لهم المشرع معاملة عقابية خاصة داخل المؤسسات السجنية ؛ إذ لا يجب تصنيفهم وإدماجهم مع المحكوم عليهم بصفة نهائية .
وأمام كل هذا وذاك يمكننا إعطاء تعريف عام للإعتقال الإحتياطي بأنه :
"فترة الإعتقال التي يقضيها الشخص على ذمة التحقيق بسبب جناية أو جنحة منسوبة إليه ، أو الفترة التي يقضيها الشخص قبل صدور الحكم النهائي في حقه "
إذن : الإعتقال الإحتياطي فيه فترتان :
-فترة التحقيق
-وفترة المحاكمة
فالفترة الأولى مدتها محددة ، لكن الفترة الثانية مدتها غير محددة .
2: مدة الإعتقال الإحتياطي
يتجلى لنا أن المشرع قام بتحديد مدة الإعتقال الإحتياطي خلال فترة التحقيق ، وفي المقابل لم يحددله أجلا معينا خلال فترة المحاكمة . وبالتالي فإن مدة الإعتقال الإحتياطي في فترة التحقيق تتمثل في (الجنح ) من شهر إلى ثلاث أشهر ، وفي ( الجنايات ) من شهرين إلى سنة . وعلى هذا فإن المدة في الجنح تتجدد ثلاث مرات وفي الجنايات خمس مرات .
وبما أن فترة المحاكمة عل المتهم لم يحددها المشرع سنعطي مثالا عليها لكي يتضح المقال :
مثلا : شخص متهم بجنحة ، قدم إلى المحكمة الإبتدائية ، وقضت هذه المحكمة في حقه بعدم الإختصاص ؛ أي صرحت بأن الجنحة المنسوبة إلى المتهم لا تدخل ضمن اختصاصها، وبالتالي سيعرض هذا الشخص إلى محكمة الإستئناف بسبب الطعن في الحكم من المتهم شخصيا أو من طرف دفاعه ، وستقوم محكمة الأستئناف من جديد بالبت في الإختصاص ؛ حيث ستقضي بإلغاء الحكم فيما يتعلق بالإختصاص أو ستؤيده .....
فهذه الفترة الطويلة تعتبر كلها فترة إعتقال احتياطي من أجل محاكمة المتهم ، وهنا تكمن الخطورة. !!!!
3: نسبة المعتقلين الإحتياطيين بالمغرب ومقارنتها مع بعض الدول الغربية والعربية
الشيئ الذي لا يختلف فيه اثنان هو أن المغرب يعرف ارتفاعا مهولا ومفرطا للجريمة ، واستنادا إلى الأرقام التي قدمتها وزارة العدل بهذا الخصوص نجد حوالي مليون ونصف قضية زجرية تعرض سنويا على المحاكم المغربية ، منها 70 % من قضايا بسيطة أو متوسطة الخطورة .
ولدينا في المغرب أيضا ما يقارب 80 000 سجين ؛ أي ما يقارب 50 %من المعتقلين الإحتياطيين .
ومن هنا نستنتج أن بلادنا يعاني من الإكتظاظ في السجون . وإذا ما قارنا بلدنا المغرب مع بعض الدول الغربية كإسبانيا مثلا فإننا سنجد أن نسبة المعتقلين الإحتياطيين في إسبانيا لا تتجاوز 15،7% . وإذا قال أحد منا بأنه لا وجه للمقارنة بين المغرب والدول الغربية فإننا سنقارن المغرب مع بعض الدول العربية ، وبالتالي إذا ذهبنا إلى البحرين مثلا فإننا سنجد أن نسبة المعتقلين فيها لا تتجازز 16 % .
4 : أسباب الإعتقال الإحتياطي
لقد قامت وزارة العدل بتحديد تلك الأسباب في :
_1: أسباب قانونية مسطرية : حيث استعمل المشرع مصطلحات فضفاضة / واسعة / شاملة، لدرجة لا يجد معها قضاة النيابة العامة أو قضاة التحقيق أي عناء في تبرير لجوئهما إلى الإعتقال الإحتياطي ، مما يؤدي إلى ارتفاعه .
_2: أسباب قانونية موضوعية : وهي بدورها تتمثل في سببين هما :
1 : عدم ملائمة مجموعة من نصوص القانون الجنائي لمفهوم السياسة الجنائية الحالية مثل :
*جرائم السرقة *جرائم عدم توفر مؤونة الشيك ...
2 : وجود بعض الجرائم ذات العقوبات الحبسية المحدودة أو القصيرة المدة ، والتي لم تعد تحقق الهدف المتوخى منها .
_3: أسباب اجتماعية : وتتمثل في الثقافة السائدة لدى المجتمع ؛ حيث أن هذا الأخير يرى ويعتقد بأنه : "لا توجد عدالة بدون اعتقال فوري " ، وبالتالي هذه الثقافة السائدة في مجتمعنا تشكل ضغطا معنويا على قضاة النيابة العامة وقضاة التحقيق ، فيلجؤون إلى الإعتقال لدفع الشبهات عنهم .
فالقاضي إذن يمارس عليه ضغط اجتماعي كبير وخطير ، إما من طرف الضحية أو الإعلام أو المجتمع ...، وهذا قد يؤثر على القاضي فيؤدي به المطاف إلى إصدار قرار قضائي تحت ضغط الثقافة السائدة .
5 : الأمور أو الإجراءات التي يمكن أن تحد من ظاهرة الإعتقال الإحتياطي
هناك اجراءات عدة ، لكن سنقتصر على ثلاثة وهي كالتالي :
- تسريع البت في القضايا التي يوجد فيها معتقلون احتياطيون والحرص على إنهائها في آجال معقولة .
- اقرار تعويض ، أو امكانية المطالبة به في حالة الحكم بالبراءة لمن قضى فترة من الإعتقال الإحتياطي .
- تفعيل مسطرة الصلح المتاحة قانونا والتوسع من امكانية اللجوء إليها ، بجعلها ممكنة في جميع الجنح وبدون تحديد سقف للعقوبة .
وفي الختام : سنطرح سؤالا من أجل التشجيع على البحث فيه والمناقشة ، والسؤال هو كالتالي :
بما أننا نرى أن الإعتقال الإحتياطي أصبح مرتفعا في بلادنا مما أدى ذلك الإكتظاظ في السجون ...هل يمكن القول أن هذا الإعتقال تحول إلى قاعدة ؟
المقالات المنشورة تعبر عن رأي اصحابها فقط ، و الموقع لا يتحمل اي مسؤولية عن ذلك.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق