مرحبا بكم
recent

عبد القادر السباعي : عندما يصبح القانون مبدأ


من الطبيعي في أي مجتمع، متحضر كان أو متعصب للعهد الحجري، من أن يخترق القانون، بأفعاله، وأفكاره، وحتى بالنوايا أحيانا، فدائما، لتركيبته الفطرية أو المكتسبة، يسعى الإنسان إلى رفض كل مفروض، والإمتناع عن الإمتثال لكل ما يضع حدا لبعض من حريته ورغباته، حتى ولو بالقانون.

فلم تردع عقوبة الإعدام الإنسان من جريمة القتل، ولا السجن من جريمة السرقة، ولا حتى النصوص الدينية منعته عن الإقدام على فعل أشياء ضد أمر الله، أي معصيته، حسب كل دين وقوانينه وما يحمله من عقوبات، فهذا كله لم يمنع أي فرد من تحقيق شيء من مكنوناته الإجرامية.

لكن، هل يمكن القول أننا فقدنا الأمل في ترسيخ ضوابط ترشد الإنسان لفعل ما هو حسن، والإمتناع عن ما هو سيء له وللمجتمع..!؟

في حديثي مع النائب لوكيل الملك بالمحكمة الإبتدائية بطنجة م.ف، عن الأمر، طرح وجهة نظر، يتقاسمها مع ما درسه، وما علمه من تجربته في القضايا المطروحة عليه، ومع ما رصده من الدول الأخرى حول نفس القضايا، حيث أخبرني، أن الرادع الوحيد للإنسان، هي مبادءه، وما يعتبره صحيحا، وما يعتبره هو أصلا للحق، وللحقيقة، وما يظنه هو الصواب، وهنا يمكن القول أننا أمام نظرية ان تحويل القانون إلى مبدأ، اي أننا لو قمنا بتربية جيل على أن احترام ممر الراجلين ليس كقانون فحسب، بل  كاحترام للذات، واحترام للإنسانية، واحترام للمجتمع، و ان عصيانه هو بمثابة عيب، ووصمة عار في جبين العاصي، وأننا أمام نظرات المجتمع القاسية حول الفعل، هنا يمكننا الحديث عن مجتمع راقي، يرتقي بالإنسانية قصد العلو والترفع عن العقوبة والتحطيم والإذلال بها، ومنه يمكن القول أنه لو أصبح القانون، أو المفروض فعله، بمثابة مبدأ قائم في مجتمع عريق متحضر وواعي، متشبث بمصطلح المبادئ والقيم، وكانها عرف متأصل فيه من ملايين السنوات، حينها يمكن الحديث عن احترام تام لكل النصوص والتشريعات مهما كانت خطورتها وصعوبتها، ومهما كانت تضيق الخناق على حرية الآخرين، لأن من فضل المبادئ، أنها تعيد النفع للمجتمع بأسره.

وعلى هذا الرأي، يمكن بناء مفهوم متوازن لمجتمع يحترم واجباته ويتمتع بحقوقه، بكامل حريته وراحته النفسية والجسدية، دون الحاجة لتدخل أمني، يحاصره عند كل مدخل ومخرج، وما الحياة سوى فرصة واحدة، من السخف ان نعيشها في سجن، بسبب جريمة كان من الممكن الإستغناء عنها، لو تم اعتبار تنازلنا عن فعلها، من القيم والشهامة وترفع الذات عن كل ما هو دنيئ.

لكن يبقى السؤال المطروح، هو هل يمكن تحقيق هذه المعادلة في كل المجتمعات..!؟



لا يمكن التعميم، وكل فرد مسؤول عن نفسه، لكن يمكن التقليل من الحوادث في مجتمع يعي دور الأخلاق في حماية حقوقه، وتفعيل المفهوم الجوهري للفضيلة، وكذا الرقي بالإنسان كذات مفكرة وعاقلة، تتميز عن باقي المخلوقات الأخرى، هنا نحتاج لدور الإعلام، عوض البحث عن الفضائح، وتفعيل نمط الحياة القائمة على الجنس والقتل والشعوذة والترهيب، الى ترسيخ عقلية جديدة، تتمحور حول تطوير الإنسان من كائن يخشى القانون، فيحترمه، إلى إنسان يحافظ على مبادئه، ليحترمه الآخرون، هنا فقط يمكن الحديث عن مجتمع فاضل ومميز.

كاتب المقال 


جميع المقالات  تعبر  عن  رأي  اصحابها و  " القانونيون"  غير مسؤولة  عن كل ذلك.
kanounyoun

kanounyoun

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.