كاتب المقال : وسيم الشابي
طالب بكلية الحقوق بطنجة تخصص تدبير الشأن العام المحلي .
الجهة لغويا ناحية من النواحي و تعني بالفرنسية (Région) وهي بمعنى جزء من الكل كما تعني أيضا الضاحية أو المجال المحيط بمركز معين وعملية التقسيم الترابي إلى عدة جهات هي التي تعطينا ما يمكن تسميته بالجهوية (Régionalisation). والجهوية في مفهومها الحديث التي ترتكز على المجال، ويحيل مفهوم الجهة أيضا للجهوية السياسية Régionalisme التي تأخد بعين الاعتبار الوعي بالمصالح المشتركة أو بتعبير أخر في الحسبان الأخد بعين الاعتبار الأشخاص الذين يعيشون في الجهة والتطلع لى المشاركة في تسير هذه المصالح ومن هذا المنطلق تبدو فكرة الجهوية قريبة جدا من فكرة الشؤون المحلية التي تتواجد على مستوى الجماعة.
حيث أن سياسة الجهة كتنظيم إداري سياسي، تبنتها ألمانيا في دستور1949، وإيطاليا في دستور 1948وإسبانيا في دستور 1978، وجعلت من الجهة العنصر الأساسي في التنمية الاقتصاديةوالاجتماعية. أما في المغرب فقد غدت سياسة اللامركزية في بعدها الجهوي موضوع الخطب السياسية والتحاليل الأكاديمية بعد وضع دستور 1992، و1996 وقانون تنظيم الجهات 96-47 في 2أبريل 1997 نظرا لدور هذا النموذج اللامركزي في تحقيق تنمية اجتماعية، ونمو اقتصادي لجهات المملكة من جهة،
والجهوية السياسية أساسها دستوري، وهي تعد أرقى أنواع الجهوية الحديثة في الدول المتقدمة، فهي تمثل سلطة سياسية حقيقية متميزة عن سلطة الدولة، فهي جماعة ديموقراطية مسيرة من طرف أجهزة سياسية منتخبة بطريقة مباشرة، والجهة هي أعلى مرتبة في مستويات اللامركزية الترابية إذ لا تتوفر فقط على اختصاصات إدارية وإنما أيضا لها اختصاصات تشريعية وتنظيمية أصلية محددة دستوريا. كما تتوفر الجهة في إطار الجهوية السياسية على سلطة تحديد نظامها القانوني وطرق عملها وأجهزتها، وهي تتقاسم مع السلطة المركزية الوظائف السياسية خاصة في الميدان التشريعي والتنظيمي. إن الوعي بإدارة شؤون الدولة مركزيا أصبح مستحيلا، إذ أن الحاجات المتولدة يوما بعد يوم بالإضافة إلى المتطلبات الحالية، تدعو إلى تبني سياسة جهوية تستطيع أن تكون عاملا للتنمية المستديمة في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية .
إن الاستراتيجية الأساسية للمغرب في تكريس وحدته الترابية تكمن في تطوير مشروعه الديموقراطي المرتكز على الجهوية، فهذه الأخيرة لا ينبغي أن تبقى مجرد نصوص بل لابد من تفعيلها على أرض الواقع من خلال تمكين الصحراويين، وكذلك باقي سكان المغرب من أجهزة تمثيلية ذات اختصاصات فعلية وإمكانات مالية تسمح لها بالتدبير المحلي الفعلي انطلاقا من الخصوصيات التي تتمتع بها وكذلك إدماج كافة مكوناتها.
إن الحديث عن نوع مغاير من الجهوية، جاء على لسان الملك الراحل الحسن التاني في كتابه "ذاكرة ملك" حيث يقول:"إن المغرب بمثابة فسيفساء بشرية وجغرافية، ولهذا الغرض أريد تحقيق اللامركزية لأترك يوما الجهات تتمتع باستقلالية كبيرة على شاكلة المقاطعات الألمانية "لاندر" وذلك سيكون بالتأكيد في مصلحة المغرب، بحيث يكون التنفيذ أسرع والتطور أكثر واقعية، فالمغرب حباه الله بتنوع رائع لأنه يزخر من الناحية الجغرافية بصحراء شاسعة وواحات نخيل وارفة الظلال، وثلوج تكسو جباله وسهول خصبة، فضلا عن سواحل مترامية الأطراف على المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط، ولا ينقصه إلا صقيع القطب الجنوبي".
خلاصة القول أن الجهوية المتقدمة تعتبر مظهرا حقيقيا وتوجها حاسما في استراتيجية التنمية الشاملة في كل أبعادها السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية
والدستور الجديد حاول ملامسة أكثر النقاط تأثيرا في التنمية الجهوية ومع اصدار النصوص التنظيمية التي تأخرت كثيرا - اخرها ماتم المصادقة عليها يوم الخميس 8 يونيو 2017 التي تحدد كيفية توزيع الموارد المالية بين الجهات – هذه النصوص التنظيمية خلقت صعوبة وفهم مضامينها بشكل المراد منها وبنزولها ستشكل عائقا في تنزيل خصوصا مع الصراعات الخفية بين كل مكونات المجال الترابي للجهة فكيف سيمكن تجاوز كل المعادلتين ؟ وهل سيتم تأخير أو تعجيل اصدار قوانين تنظيمية أخرى أم ننتظر عوامل أخرى تعجل بإصدارها مثلما صدر في المجلس الحكومي الأخيرفي 8 يونيو 2017 كما سلف الذكر بسبب الاحتجاجات التي يعرفها اقليم الحسيمة و جرادة ؟
وسيم الشابي .
كل المقالات المنشورة عل الموقع تعبر حصرا عن اراء كتابها، و الموقع لا يتحمل اي مسؤولية عن ذلك .

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق