اتفاقية "سيداو" او اتفاقية القضاء
على جميع اشكال التمييز ضد المرأة هي اتفاقية دولية اعتمدتها الجمعية العامة للامم
المتحدة سنة 1979 و دخلت حيز التنفيذ في 1981، و تتكون هذه الاتفاقية من ديباجة و
30 مادة. بلغ عدد الدول التي صادقت عليها 186 دولة، كانت السويد اول هذه الدول و ذلك سنة 1980 ، بينما
امتنعت الولايات المتحدة الامريكية،
ايران، السودان، الصومال و تونغا عن المصادقة عليها. و تعتبر هذه الاتفاقية من
اكثر الاتفاقيات المصادقِ عليها بعد الاتفاقيات المتعلقة بحقوق الانسان الاساسية،
و في نفس الوقت من اكثر الاتفاقات التي تحفظت الدول على بنودها. المغرب كان من
الدول التي صادقت على الاتفاقية لكن مع التحفظ على العديد من مقتضياتها، وهذا
التحفظ كان بسبب ما يراه مخالفا لثوابته و لاحكام الشريعة الاسلامية.
تَعَامُل المغرب مع هذه الاتفاقية عرف الكثير
من المحطات و من الاخذ و الرد قبل ان تتم المصادقة على البروتكول الاختياري
المتعلق بهذه الاتفاقية الدولية ، كان اهم هذه المحطات: المحطة الاولى حيث انضم
المغرب لهذه الاتفاقية في 21 يونيو 1993 مع التحفظ، بعدها جاءت المرحلة الثانية و
هي متعلقة بالغاء العديد من التحفظات السابقة و ذلك في 8 ابريل 2011 ، و اخيرا المصادقة
على مشروع قانون رقم 125.12 المتعلق بالمصادقة على البروتوكول الاختياري الخاص
ب"سيداو" و ذلك سنة 2015، و يعتبر هذا البرتوكول الالية القانونية و
الوسيلة التي تمنح صلاحيات مهمة و وسائل عملية
للجنة "سيداو" من اجل تلقي الشكايات و التبليغات من النساء، سواء
كافراد او كجماعات، ضحايا التمييز، و
التمييز ضد المرأة كما عرفته الاتفاقية هو :" اي تفرقة او استبعاد او تقييد
يتم على اساس الجنس و يكون من اثاره او اغراضه
النيل من الاعتراف للمرأة، على اساس تساوي الرجل و المرأة، بحقوق الانسان و
الحريات الاساسية في الميادين السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و
المدنية او في اي ميدان اخر، و ابطال الاعتراف للمراة بهذه الحقوق او تمتعها بها و ممارستها لها بغض النظر عن حالتها الزوجية
"( المادة الاولى من اتفاقية سيداو ). بهذه المصادقة اكتملت الصورة حول رغبة
المغرب في العمل على مناهضة جميع اشكال التمييز ضد المرأة باعتبارها عنصرا مهما في
جميع المجالات و مناحي الحياة .
ان السؤال الذي يطرح نفسه هو هل ستسمو اتفاقية
"سيداو" على التشريع المغربي فعليا و على ارض الواقع و في الممارسة
القضائية و القانونية في المملكة ؟
من الناحية النظرية فان الاطلاع على دستور
المملكة يكفي لنقول ان المساواة بين الرجل و المرأة مسألة لا خلاف فيها، فقد تم
التنصيص على هذا المبدا في ديباجته و في كثير من فصوله، نذكر على سبيل المثال لا
الحصر : الفصل 19 >> يتمتع الرجل و المرأة ، على قدم المساواة، بالحقوق و
الحريات المدنية و السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و البيئية،
الواردة في هذا الباب من الدستور ، و في مقتضيات اخر، و كذا في الاتفاقيات و
المواثيق الدولية ، كما صادق عليها المغرب ...<< . من خلال
الدستور ، اسمى قانون في البلاد، يتضح جليا "دسترة" الحقوق كما هي
متعارف عليها دوليا و التزام المغرب بها.
و من الناحية العملية القانونية و القضائية،
يمكن القول على ان تحيين القوانين و جعلها متوافقة مع الاتفاقيات الدولية، خاصة
اتفاقية سيداو، قد بدأ مع مدونة الاسرة،
هذه الاخيرة التي جاءت لتلبية مطالب الحراكات النسائية في المغرب و التماشي مع
الاتفاقيات الدولية، فقد ساوت هذه المدونة
بين الرجل و المرأة في الكثير من الامور المهمة، نذكر منها : المساواة في سن
الرشد، فالرجل و المرأة يبلغان سن الرشد في 18 سنة شمسية دون تمييز، المساواة في
تحمل مسؤولية الاسرة و الاطفال...، جعل الولاية من حق المرأة الراشدة، بحيث تزوج
نفسها بنفسها حسب رغبتها و مصلحتها و استفادة الزوجة المطلقة من الاموال المكتسبة
خلال الزواج.
يضاف الى ذلك القانون رقم 103.13 المتعلق بمناهضة العنف ضد المرأة، حيث تناول هذا القانون في
الباب الاول كل مايتعلق بتعريف العنف ضد النساء و الافعال التي تعتبر عنفا ضدهن و
كذا الاضرار الجسدية و المعنوية و الجنسية او الاقتصادية التي قد يتسبب فيها
العنف، بينما تطرق المشرع في الباب الثاني
للمقتضيات الزجرية و التي عدلت و غيرت بعض فصول القانون الجنائيي ، اما في الباب
الثالث فقد تم التطرق للتعديلات التي همة قانون المسطرة الجنائية و اخيرا في الباب
الرابع تم التنصيص على انشاء و احداث لجان و خلايا تتكفل بضحايا العنف.
ان اهم ما جاء به هذا القانون هو تحريمه للتحرش في الاماكن العمومية و في العمل و كذا
التحرش الممارس بواسطة الرسائل المكتوبة، الهاتفية و الالكترونية، التسجيلات و
الصور ذات الطبيعة الجنسية و تجريم الاكراه على الزواج .
من خلال ما سبق يظهر جليا توجه المغرب نحو
الانسجام اكثر مع اتفاقية ''سيداو " على اعتبار ان تحيين و تجويد الترسانة
القانونية هو اهم ما يضمن الاعتراف بحقوق المرأة و حماية حقوقها الاساسية من
الاعتداءات و التجاوزات، كما انه لا يممكننا اغفال الخطوة التي قفزها المغرب عنما
أمر جلالة الملك محمد السادس ان يسمح للمرأة بان تلج خطة العدالة و ان يتاح لها ان
تمتنهن مهنة "العدول " بعدما كانت حكرا على الرجل وحده، فقد اعتبرت هذه
الباردة متميزة جدا و سيرا في الاتجاه الصحيح من اجل رفع الحيف عن النساء و
الاعتراف بحقوقهن الاساسية و المساواة بينهن و بين الرجال.
في الختام، ان مصادقة المغرب على اتفاقية سيداو
و التوجه نحو تحيين القوانين و تجدويدها من اجل ان تتناسب مع ما هو دولي يروم الى تحقيق العديد من الاهداف،و اهم تلك الاهداف
تحسين صورة المغرب الحقوقية و القانونية امام الجهات الدولية و المجتمع الدولي ككل.
كاتب المقال: معاد الغريب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق