مرحبا بكم
recent

معاد الغريب : القانون بين التصورين اللبرالي و الاشتراكي: تعارض ام تكامل؟



القانون بمعناه الواسع هو تلك القواعد التي تنظم علاقة الدولة بالافراد و علاقة الافراد ببعضهم البعض، فكل فرد داخل المجتمع لابد و ان يخضع لما تمليه القواعد القانونية و كل انحراف صادر عنه يعرضه حتما لعقوابات معينة. ان جوهر الامر هنا هو ان الافراد يطمحون لحرية اكبر بينما تطمح الدولة، في المقابل، الى تضييق و تنظيم  اكبر لحرياتهم و تصرفاتهم، و من هنا ينشأ الصراع بين رغبات و تطلعات الافراد، من جهة ، و اهداف الدولة في تحقيق النظام العام و اخضاع الافراد للسلطة العامة من جهة اخرى.
و كغيره من المجالات المؤثرة في حياة الدول و المجتمعات فقد تأثر  القانون و فلسفته بالافكار اللبرالية في الغرب و الاشتراكية في الشرق، حيث نجد ان الدول التي  تسير وفق التوجهات اللبرالية قد نهجت تصورا معينا و فلسفة مختلفة في نظرتها للقانون و حرية الافراد عن تلك التي نهجتها الدول التي خضغت لانظمة اشتراكية شيوعية.
ان الفكر و التصور اللبرالي، يعتمد في نظرته للقانون على مجموعة من الافكار و الاسس، حيث يعرف بانه فكر يقدس الفرد و حريته. فالانسان حسب هذا التوجه هو من اوجد المجتمع، وهذا الاخير موجود من اجل خدمة الفرد و مصالحه و ليس العكس. ان الانسان هو قيمة في حد ذاته، قيمة تعلوا على المجتمع و الدولة و لذلك يجب تقليص كل القيود القانونية التي يمكن ان تحد من حرية الفرد و ان تجبره على تصرفات معينة ليست في صالحه. يقول ROUSSEAU : ان الانسان خير بطبعه، و المجتمع هو من يجعله شريرا. هذه المقولة توضح العداء القائم في الفكر اللبرالي بين الفرد، باعتباره قيمة في حد ذات، و ذو مصالح  خاصة به مختلفة عموما عن المصالح المشتركة و المنافع العامة، و المجتمع و الدولة  اللذان يمثلان التسلط و القيود و الحد من حرية الافرد .
ان العقد كتعبير صريح عن ارادة الافراد و حريتهم في التعاقدو التعامل  يحضى باهمية قصوى في الفكر اللبرالي، حيث يقوم العقد مقام القانون، فالعقد اذن هو شريعة المتعاقدين. وكما يقول الفقيه FOUILLEE : كل ما هو تعاقدي فهو عادل. ان العقد، باعتباره توافق ارادتين او اكثر  على احداث اثر قانوني، و باعتباره كذلك تجسيدا لرغبة الافراد في التعاقد بينهم و  تحقيق مصالحهم فقد تم السمو بمكانته و قيمته القانونية الى مستوى كبير، حيث اعتبر شريعة خاصة يخضع لها اطرافه، اي يخضعون لما اتفقوا عليه في العقد، و هنا  تبرز  حريتهم و طموحاتهم بعيدا عن القانون و عن  اي تدخل خارج عن ارادتهم.
بالاضافة الى حرية الافراد في التعاقد، فقد اعتبر هذا الفكر الملكية الفردية حقا مقدسا للافراد، حق لهم في مواجهة الكافة و الغير و المجتمع و الدولة. ان الدولة، حسب الفكر اللربالي، ملزمة بحماية حق الملكية الفردية حماية صارمة، لانه حق طبيعي بديهي للافراد، لذلك فالافراد لهم الحق في امتلاك كل ما يمكنهم امتلاكه، انطلاقا من امتلاك المنقولات الى امتلاك العقارات. فقد عرفت مدونة نابليون حق الملكية في احد فصولها  بمايلي : حق التمتع و التصرف في الاشياء على الوجه الاكثر اطلاقا .
على عكس التصور اللبرالي للقانون و حرية الافراد، فالمصلحة العامة تسبق المصلحة الخاصة، و الدولة مجبرة على التدخل لمنع الفوارق الاجتماعية و تحقيق العدالة بين الافراد. و من هنا فالدولة يجب ان تكون قوية كل القوة بسلطاتهات و تدخلاتها في كل المجالات.
الدولة يجب ان تتدخل في العقود التي يبرمها الافراد و العلة و السبب وراء ذلك هو ان الافراد اصحاب النفوذ سيخضعون الاقل منهم لنفوذهم بدون شك لذلك فالدولة يجب ان تنظم العقود و خاصة عقد الشغل باعتباره اهم العقود التي تحقق التنمية و التطور الاقتصادي للافراد.
ان الفكر الاشتراكي اتبع قاعدة تقضي باسبقية القانون على العقد، عكس ما ذهب اليه الفكر اللبرالي الذي اتبع قاعدة العقد شريعة المتعاقدين. و الغاية من ذلك هو تحقيق الصالح المشترك و المنفعة العامة، خاصة اذا علمنا ان المصالح الفردية عادة ما تتعارض مع المصالح المجتمعية العامة و المشتركة.
ان فكرة الملكية الفردية اتي تم تقديسها في الفكر اللبرالي، تكاد تتلاشى في الفكر الاشتراكي، حيث تم تعويضها بفكرة الملكية المشتركة. ان الدولة الاشتراكية تدخلت بشكل كبير في تنظيم و تحجيم الملكية الفردية على اعتبار انه اذا سمحت للافراد بامتلاك كل ما يريدون فان الفوارق الاجتماعية  ستصبح كبيرة جدا بينهم.
 ان الدارس للقانون المقارن في الوقت الحالي لابد وان يلاحظ ان معظم التشريعات اخذت بالتصور اللبرالي احيانا و الاشتراكي احيانا اخرى،  فعلى مستوى العقد في القوانين المدنية فنجد ان القاعدة الشائعة هي قاعدة " العقد شريعة المتعاقدين" لكن الافراد ليسوا احرارا في التعاقد على كل ما يرغبون فيه، فكل عقد مخالف للنظام العام و المصلحة العامة فهو باطل! و نفس الامر نجده في ما يتعلق بالملكية الفردية، فالافراد احرار في تملك كل  ما يستطعيون تملكه بشرط ان لا يخالفوا القانون، و الملكية ليست مطلقة، فالقانون الاداري مثلا يجيز للادارة ان تنزع الملكية من الافراد من اجل استخدامها في تحقيق المصلحة العامة!
اضافة الى ما سبق فانه لا يخفى على اي دارس للقانون ان الدول اتجهت منذ الحرب العالمية الثانية الى تبني بعض الافكار الاشتراكية مثل دعم الفئات الهشة و تعزيز الضمان الاجتماعي و تحسين شروط و ظروف العمل للفئات العاملة. و كذا تدخل الدول عن طريق القانون من اجل حماية المستهلكين من التجاوزات التي تمس صحتهم و مصالحهم .
ختاما، رغم ان الفكر اللبرالي و الاشتراكي متعارضين في الكثير من الامور و الاسس، الا ان الدول المعاصرة  لا تجد اي مشكلة في  تطبيق افكارهما معا، و من هنا يمكننا القول على ان لكل فكر محاسنه و نقائصه و العمل على الادماج بينهما خدمة للشعوب و الدول يعطي نتائج ايجابية بدون ادنى شك .

كاتب  المقال : معاد الغريب
باحث في العلوم القانونية .



kanounyoun

kanounyoun

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.