الإسلام السياسي و أسطورة الشوراقراطية.
تعرف التوجهات الإسلامية تشتت و تيه في تجسيد مفهوم الديمقراطية بشموليتها على حلة علمية معينة. على عكس ما نشاهده في التوجه الاشتراكي و التوجه الرأسمالي حيث الصراع على مبادئ الديمقراطية بين المساواة و الحرية. حيث نجد بعض أقلام الإسلاميين تنتقد المفهوم و تعتبره دخيلا، و هناك توجه يرغب في أسلمة الحداثة كما وصفها الدكتور حسن أوريد في كتابه "الإسلام السياسي في الميزان" حيث جسد أزمة الخطاب و الممارسة. الشيء الذي يضع التوجهات الإسلامية تحت المجهر في مبدأ المساواة و مبدأ الحرية.
فنجد الحرية في الليبرالية تقوم بشعار "دعه يعمل دعه يمر..." بحمولة اقتصادية و سياسية، أما الحرية الشخصية مفادها أن كل إنسان هو الذي يملك الحق على نفسه، يستطيع أن يتصرف فيها كما يحلو له، دون أن يخضع في ذلك لأي سلطة خارجية. في حين يعتبر الفكر الإسلامي يعتبر أن الحرية الشخصية هي إخراج الإنسان من سيطرة الأصنام -كل الأصنام- لكن عملية التحرير هذه ترتبط بالعبودية المخلصة لله. حيث يتحرر و لا يملك نفسه كما هو في الفكر الرأسمالي. إلا لن كلا التوجهات يتفقان في عامية التحرر من الغير. أما فيما يخص المساواة فهي جد متشعبة و مختلفة بين المذهب الإسلامي و المذاهب الأخرى.
لا يفوتنا أن نذكر كذلك أقلام الكثير من الحداثيين الذين ينفون الإسلام السياسي كتوجه يؤمن بالديمقراطية نظرا لما يعرف هذا الأخير من أزمات في المفاهيم، و في حوار مع الدكتور عبد العالي حامي الدين قائلا أن مفكري الغرب لهم اقتناع راسخ بأن الإسلام هو مصدر الاستبداد لأنه لا يشمل على قيم الحرية و الديمقراطية. و يكرس مفاهيم الاستفراد بالسلطة تحت مصوغات دينية... حيث استدل بالبروفسور "جان فرانسوا بايار" عندما قال أن للغرب تصور جامد على الإسلام. فهو لا يخرج حسب تصوره من كونه ماهية و جوهر خارجين عن الزمن. اي أن الإسلام عبارة عن مفهوم جامد لا يقبل التطور أو أنه غير معاصر. و هذا الإسلام غير المعاصر هو بطبيعته غير قابل للتطور عبر التاريخ. إذا هو مناقض للديمقراطية، مع أن الديمقراطية تعتبير بحد ذاتها شيئا نظريا جدا.
حيث ينظرون بعض المفكرين عند دراستهم للإسلام السياسي بنظرة إثنوسنترية، أي أنهم يحكمون على الآخر من منظور الثقافة التي ينتمون إليها، و هذا في العلوم الإنسانية كالأنتروبولوجيا يعتبر مغالطة لا يمكن البناء عليها، حيث يعتبرون أن الديمقراطية لا يمكن أن تتحقق إلا إذا فصلت عن الدين.
هناك من ينكر جميع أشكال المقارنات بين النظام الإسلامي و النظم الأخرى فنستحضر على سبيل مثال لا الحصر الشيخ "تقي الدين النبهاني" حيث رفض مقارنة مقارنة الإسلام بالنظم الأخرى، إلا أن تواجد تيارات سياسية ذو مرجعية إسلامية يضعنا أم خيار مناقشة ما يسمونه المحللين السياسيين بالإسلام السياسي. هذا الأمر يتطلب توضيح مصطلح الشورى عندما نربط هذا التوجه بمفهوم الديمقراطية، هناك بعض المفكرين لا يجدون اختلاف بين مفهومي الشورى و الديمقراطية، نذكر الكاتب الإيراني "داريوش شايغان" حيث نفى وجود اختلاف بين الفكرتين، مما يظهر من كلامه أن الخلاف بين ثقافة الديمقراطية و ثقافة الشورى نوعيا أو كيفيا، و هذا الاختلاف يترتب عليه استحالة التوفيق بينهما إلا بغلبة إحداهما على الأخرى في جوهر أو مبدأ المفهوم.
من أسباب خلق هذا النوع من التناقض بين المفاهيم نجد أنهما ينتميان إلى بنيتين فكريتين مختلفتين، و لهما عناصر و جزيئات و مكونات مختلفة و متباينة تطورت ضمن سيرورات تاريخية و ظروف اجتماعية مختلفة تماما. كما ذكر الأستاذ عبد السلام ياسين في كتابه "الشورى و الديمقراطية" على المستوى اللغوي، عندما نتحدث عن الشورى نستحضر مصطلحات؛ الإمان، الأخلاق، الصلاة، الآخرة،...
نلاحظ هنا أن مفهوم الشورى ميتافيزيقي يفيد مجمله خضوع الإنسان إلى سلطة الله. في حين أن مفهوم الديمقراطية هو مفهوم سياسي يفيد تقرير سلطة الإنسان في نظام اجتماعي معين، و هو نظام بشري، و يمكن اعتباره ترتيبا عقلانيا لحياة المجتمع، كما أنه تجربة بشرية خصبة راكمت آليات حكيمة لتسيير الدولة.
عرفت الحركات الإسلامية نوع من الحيرة في ربط المفهوم بالمرجعية، و لا بد من تأكيد ارتباط الديمقراطية بين العلمانية و العقلانية، كما حدد داريوش " لكي يكون هناك ديمقراطية لا بد أولا من أن يكون هناك علمنة للعقول و المؤسسات، و أن يكون الفرد، ذاتا مستقلة قانونا، و ليس نفسا مغفلة ذائبة في الكتلة الهلامية للأمة (الجماعة الإسلامية)؛ و أن يكون القانون قاعدة تعاقدية، و أخيرا أن تكون السيادة القومية قد سيطرت بشرعيتها الوجوبية" مما أدى إلى ظهور اتجاهات في الحركة الإسلامية، أحدهما لا يرى ضررا في استعمال مصطلح غربي، و اتجاه آخر يدمج المصطلح الإسلامي بالغربي في آن واحد، حيث يعتبر الرأي الأول أن المعاني أهم من المباني، و العبرة بالمقاصد و ليست بالصور و الألفاظ، و الرأي الثاني نجده يستعمل مصطلحات جديدة أقرب إلى الركاكة و الهزل، مثلا *الشوراقراطية* للجمع بين مصطلحي الشورى و الديمقراطية. نذكر أن محفوظ النحناح استعمله في حوار الحكومة الجزائرية و الأحزاب في 30 يوليو 1991 تعبيرا عن موقف مجموعته الإسلامية.
عمر الصبار
ملاحظة : المقال يعكس بالضرورة رأي صاحبه و لا يعكس بأي حال من الأحوال رأي موقع القانونيون.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق